dimanche 9 septembre 2012

لن نخدع مرة أخرى

كانت إنتخابات 23 أكتوبر 2012 واحدة من أعظم الأكاذيب على مر التاريخ حسب رأيي. بل إنها تصلح لتكون درسا في علوم السياسة للسذج ليفهموا ماهي السياسة على أرض الواقع.
لقد كان الجميع يعرف أن هناك إحتمالا كبيرا لوصول النهضة للحكم بفضل اللعب على الوتر الديني. ففي بلاد صحراء الثقافة والحضارة، فقط الدين والكرة يمكن أن يجيشا المشاعر والحشود، ويملآ المسارح والميادين.
كنا نعرف ذلك حتى إن بن عاشور قالها صراحة : لقد كنا متأكدين من وصول النهضة إلى المرتبة الأولى بين الأحزاب، وكنا نتوقع لها بين 30 إلى 40%.
أين الخدعة إذن؟
إنها في التحالفات، وفي الأوراق ما تحت الطاولة، وفي المكتوم عنه.
يخطىء البعض حين يعتقد  أن النهضة وصلت للحكم بالصدفة، أو رغما عن المجتمع الدولي. لقد كان وصول النهضة أمرا متوقعا جدا بل حتى مرغوبا فيه في الواقع. لن أتحدث عن الويكيلكس، ولا عن خلفيات رجال النهضة الكبار (وأغلبهم أثروا بطريقة غريبة ومشبوهة عند نفيهم في الخارج مما يثير التساؤل : كيف يمكن لمن هرب دون قرش واحد في جيبه ودون أي مستوى علمي حقيقي أن يعود وفي رصيده المليارات والشركات والعقارات في قلب باريس ولندن؟).
هل بإمكان حركة ما أن تستولي على الحكم  ب38% من الأصوات؟ طبعا كلا!
من أجل الوصول للحكم والبقاء فيه يجب إيجاد أغلبية شعبية تدعمها أغلبية النخبة (رؤوس الأموال، المثقفون، أساتذة الجامعات، الإعلام، القضاء، الجيش). لكن النهضة لا تمتلك شيئا من ذلك، فرصيدها الشعبي لا يفوق اليوم في أقصى الحالات الثلث. أما النخبة، ففيما عدى رؤوس الأموال (ورؤوس الأموال بطبيعتها دائما تكون مع الحكم سواء كان شيوعيا أو سلفيا)، فالنخبة اليوم ترفض النهضة وإن بمستويات متعددة.
من أجل التغلب على هذه المشكلة لجأ النهضويون إلى حلفاء لهم وأعطوهم بعض الفتات من أجل الإنفراد بكعكة الحكم. لقد أعطوا لقيادات أحزاب المؤتمر وبعض قيادات التكتل مثلا ضمانات بمناصب وأوهاما بمسؤوليات. فإرتبط مصيرهم اليوم بهم.
بهذه الطريقة، فوجئنا بأكبر مهزلة في تاريخ تونس الحديث : أغلب من إنتخبوا المؤتمر وخاصة التكتل، إنتخبوهما كمنافسين للنهضة ولإيجاد ثقل مضاد متشبع بثقافة حقوق الإنسان والحريات والتكافل إلإجتماعي، فإذا بهذين الحزبين يتحولان اليوم لكلبي حراسة للنهضة في أكبر عملية سرقة في تاريخ تونس!
كيف يمكن أن ننسى منصف المرزوقي وهو يحلف الأيمان المغلظة بأن حزبه سيدافع عن حقوق الإنسان بكل شراسة وأنه لن يقبل بأي تعد على الحريات الفردية، ليكتشف الجميع أحد مجانين حزبه في إفتتاح المجلس التأسيسي وهو يهاجم أحزاب المعارضة بوصفهم عملاء للخارج وحثالة الفرنكوفونية!!؟؟

لكن هذه المهزلة لن تتكرر.
يقول المثل : من كذب عليك مرة، سيكذب عليك ألف مرة.
ويقول مثل آخر : إن خدعتني مرة فذلك ذنبك، أما إن خدعتني مرة ثانية فذلك ذنبي أنا.
إن الخطيئة الأصلية التي أدت إلى هذه المهزلة هي فكرة إنشاء حكومة تجمع بين المتناقضين وتعتمد المحاصصة الحزبية. بينما لا يكاد المتحالفون يتفقون على شيئ.
لقد حان الأوان اليوم أن نتبين كل فرقة وحدها. فليكن لنا حزب محافظ مثلا يضم النهضة وحلفائها من السلفيين ومندسي حزب المؤتمر، ولينفض الآخرون يدهم من فكر التحالف وليسعوا لبناء البديل صاحب البرنامج الواضح الغير مهادن.
حان الأوان أن تمتاز كل فرقة بفكرها. فليدافع الإشتراكي عن فكره الإشتراكي، وليدافع المحافظ عن فكره المحافظ. وليكن الشعب الفيصل. أما خرافة الأحزاب المتلونة كالحرباء حسب الرياح والفايسبوك، فقد إنتهت صلوحيتها.

Aucun commentaire: