lundi 16 juillet 2012

خواطر بعد لقاء مصطفى بن جعفر

كنت حاضرا يوم الأحد 15/7/2012 في لقاء لمصطفى بن جعفر في منزل التونسيين بپنتان (على هامش إحتفالات 14 جويلية) دار فيه حوار أعتبره مهما ويستحق التفكير والتعليق.
بعد هذه المداخلة قام الحاضرون بعديد المداخلات تحورت خاصة حول  الشفافية، العلاقة مع النهضة وظاهرة السلفية. وهنا كان رد مصطفى بن جعفر:


dimanche 1 juillet 2012

بعض الخواطر بعد قراءة كتاب جيبون


إذا كان جيبون يعتبر اليوم مرجعا أساسيا لكل دارس لتاريخ الإمبراطورية الرومانية بعد تراجان، فإن ذلك يعود خاصة إلى إعتماد الكاتب على أسلوب علمي في دراسة المراجع الأصلية وفهمها. ومازاد هذا العمل جاذبية هو أناقة الأسلوب وإحكام ترتيب وتصنيف مواد تاريخ متشعب جدا على مدى أكثر من 1000 سنة.
لقد تسائلت كثيرا عند قراءة هذا الكتاب(The History of the Decline and Fall of the Roman Empire) : لماذا لم يظهر جيبون آخر في حضارتنا العربية الإسلامية، فيقرأ تاريخنا بعين نقدية صارمة باردة، ويقوم بالتضحية بسنوات من عمره من أجل فتح أعين الشعوب على الحقيقة التاريخية؟ طبعا هناك بعض المحاولات (وسأتحدث في مقال قادم عن كتاب الفتنة الكبرى لهشام جعيط وهو أحد أفضل الدراسات التاريخية التي قرأتها)، لكنها محاولات صغيرة لم تصل إلى ذلك المستوى الملحمي الهائل لعمل جيبون وهو صنف العمل الذي يبدل العقليات ويغير التقاليد.
لقد كان التاريخ لفترة طويلة طريقة لرجال السياسة لتدوين ما يسمى ب"تاريخ المنتصرين" من أجل حفظ التقاليد وتبرير السلطة.. هكذا كانت مثلا رواية "تاريخ حروب بلاد الغال" ليوليوس قيصر، وغيرها من التواريخ الإسلامية الأولى. كما أن التاريخ كان يوصف دوما بأنه قصة للأشخاص قبل كل شيئ. كما أنه كان دائما مصبوغا بصبغة "أخلاقوية" حيث يتم تبرير كل مصيبة أو هزيمة على أنها نتيجة للإبتعاد عن التقاليد أو الدين أو الأخلاق.
إن كتابة ناضجة للتاريخ يجب أن تأخذ بعين الإعتبارالمعطيات السوسيولوجية والإقتصادية والإثنية والحضارية كما يجب أن لا تغفل دور الأشخاص في صناعة التاريخ. يجب أيضا أن تعتمد على المراجع الأصلية مع إخضاعها للقراءة النقدية الضرورية للإقتراب من الصورة الأصلية قدر الإمكان.
لنتحدت قليلا عن ال(virtus) (كلمة لاتينية).
إحدى أهم المواضيع التي يركز عليها جيبون في رؤيته للتاريخ هي ال(virtus) ويمكن ترجمتها بالعربية على أنها مزيج من الأخلاق والرجولة والنبل. إن تطور الحضارات أو إنحطاطها كان دائما مرتبطا بمدى إمتلاكها لهذه الخاصية المركزية. هكذا فسر جيبون إنحطاط روما وسقوطها بإنحطاط الشعب الروماني نفسه وفقدانه لتلك الأخلاق الرومانية العتيدة التي جعلت المدينة تهزم قوى أقوى بكثير من القوط والساكسون.
يفسر العرب عادة كلمة (virtus) على أنها "الفضيلة" وهو تفسير خاطئ حسب رأيي لأنه يعطي لل(virtus) بعدا دينيا هو غائب حسب رأيي في المعنى الأصلي اللاتيني واليوناني. إن العصر الذهبي للفلسفة الكلاسيكية اليونانية والرومانية جعل من ال(virtus) صبغة أخلاقية ونفسية وإجتماعية مرتبطة بالفرد والمجموعة. هكذا كان بإمكان مفكري الرومان الإثناء على البرابرة الجرمانيين رغم كونهم ألد أعداء روما وأكثرهم إختلافا عنها. يمكن التدليل على ذلك بأن نستحضر مثلا ماركوس أورليوس وهو أقل الأباطرة الرومان تدينا وأكثرهم تشبعا بالفلسفة الرواقية(stoicismus). لقد كان ذلك الإمبراطور العظيم نموذجا لإنسان قرن الفكر بالإنجاز وجعل من حياته إمتحانا للعقل والقلب، فكان بذلك أحد أكثر رجال التاريخ الروماني المتشبعين بال(virtus) في معناها الفلسفي العام.
لو فحصنا العقلية العربية قبل الإسلام لوجدنا لديها إحدى تمظهرات ال(virtus) في صبغتها ال"خام"، أي النابعة من الشخصية التقليدية المصنوعة من أجيال من التأقلم مع المحيط. ولعل كلمة "شهامة" أو "رجولة" أو حتى "عروبة" تعبر عن هذه الصبغة الثقافية والنفسية التي جعلت من المحارب العربي فوق حصانه شيطانا لا يقهر حتى بالنسبة لقبائل الجرمانيين الشرسة! لكن هذه الشراسة كانت تختفي أثناء السلم والتجارة لنرى حينها الرجل والمرأه العربيين يمارسان الفصاحة والشعر من أجل حث المشاعر ودفع الفتيان نحو طريق الشرف الذي إتخذه الأجداد (يقول جيبون، وأنا أوافقه الرأي، بأن الفصاحة لا تظهر إلا لدى الشعوب الحرة قوية الإرادة، هكذا كان إختفائها دليلا قويا عن حالة الإنحطاط التي عاشتها الأمة العربية بعد تشكل الدولة الإمبراطورية).
هذه الأخلاق العظيمة كانت حتما الوقود الأساسي لذلك الإنفجار الكبير التي جعلت محاربي الجزيرة العربية يجتاحون أعظم إمبراطوريات العصر ويسحقون جيوشها.
من وجهة نظر جيبون، فقد كان سقوط الإمبراطوريات والحضارات مرتبطا دائما بفقدان تلك الجوهرة الثمينة التي تصنع المعجزات. هكذا وصف جيبون روما القرن الخامس ويونان العصور الوسطى والعرب أثناء الغزو الصليبي بالشعوب المخنثة التي نسيت فضائل أجدادها وإرتضت العبودية وأعطت  للمرتزقة والعبيد مهمة الدفاع عنهم.