dimanche 1 mai 2011

تجربة التدين:1-مصدر وتطور تجربة التدين كتجربة للوعي

التدين كظاهرة إقترن في الواقع مع ظهور أولى التجمعات والتنظيمات الحضارية والثقافية. إن تطور ظاهرة التدين هو ظاهرة معقدة لعب فيها تطور التجمعات والطبقات وأساليب الإنتاج والثقافة دورا مهما. لذلك فدراسة هذه الظاهرة أمر صعب جدا إن لم نقم بتتبع تاريخي حذر للأحداث وللمجتمعات. رغم ذلك فقد إرتأيت تبسيطها بتقسيم الظاهرة إلى قسمين : التدين من حيث هو ظاهرة فردية مرتبطة بالوعي، والتدين من حيث هو ظاهرة إجتماعية.
نشأ التدين كمكمل للوعي والعقل. إذ عندما إنتقل الإنسان من مرحلة الحيوان إلى الإنسان، تميز خاصة بظهور الوعي، أي إدراك الأشياء عي علاقاتها مع الذات، مع الزمن ومع بعضها. إن الوعي، كنوع من تجليات العقل، قد نزع إلى إيجاد نظام يدخل فيه الكون برمته بحيث تكتمل بنية الوعي بإكتمال تصوره للكون.
هذا التطور التاريخي إتخذ طريقا تدريجيا لعبت فيه الطقوس الجماعية، اللاوعي وطرق العيش والإنتاج دورا مهما على مدى آلاف السنين. غير أن هذا التطور البطيء للوعي رافقه إدراك تدريجي لحقيقة مرة : أنه لا يمكن إدخال الكون في العقل!
إنها لمأساة تاريخية عاشها الإنسان على مدى آلاف السنين وهو يصارع الطبيعة التي للا يفهمها، وإن كان يدرك بعض قواعدها. هذه الحقيقة العدمية الهائلة كانت كفيلة بتدمير الإنسان الذي إكتسب ثمرة الوعي المقدسة، فإذا به يدرك أن ليس بإمكانه التوحد مرة أخرى مع الكون بعد أن كان، في طوره الحيواني، في سكرة أبدية متوحدا مع الطبيعة والأشياء.
الإنسان المعاصر المتخم بإنتاجات الحضارة والتقنية، قد لايحس بعمق هذه المأساة، وقد يسخر من ذلك الكائن البدائي العاري وهو ضائع مع أمثاله وسط أدغال وحيوانات لايدري من أين أتت، وهو مقيد بقوانين تفوق عقله، وهو يصارع الطبيعة كل يوم من أجل أن يعيش.
بالنسبة لي فإن التدين هو إجابة للاوعي الفردي والجماعي من أجل إكمال الوعي وتعديله. بطريقة أخرى فإن التدين يفرض التخلي عن جزء من الوعي من أجل إستعادة الوحدة مع الكون التيب أضاعها تطور الوعي والعقل.
هذا تفسير مبسط من عندي لنشأة التدين. وسيكون محور المقال القادم هو تطور الظاهرة الدينية إلى العصر الحديث. ولذلك سيكون ضروريا التطرق إلى تفاعل الظاهرة الدينية مع محيطها الإجتماعي والسياسي

تجربة التدين

في وسط معمعة الصراع الإيديولوجي بين التيارات الإسلامية والعلمانية في تونس، خطر لي كتابة بعض المقالات عن الظاهرة الدينية عامة، وعن ظاهرة التدين في المجتمعات العربيةالإسلامية وتونس خاصة. هدفي من هذه السلسلة هو إعطاء نظرتي لظاهرة التدين بطريقة تكون غير مبتذلة وسطحية.
إنني إذ أكتب عن التدين، فإنني لا أدعي إختصاصا أكاديميا ولا إمتيازا فكريا. رغم ذلك، فإن مستوى النقاش الذي أراه على الساحة يجعلني متأكدا أن تطرقي لهذه المواضيع ليس بالبذر في الصحراء بطريقة غير نخبوية هو شيء مهم عندما ننشد التغيير على نطاق إجتماعي واسع