dimanche 30 septembre 2012

أفضل الإستراتيجيات لبقاء بني خونج على قلوبنا


كانت إنتخابات أكتوبر 2011 إنتصارا لحركة النهضة لأنها عرفت كيف تلعب على عديد الحبال، من بينها الحبل الإعلامي، حيث تم إيهام الناس بأن النهضة وحلفائها هم جبهة الثورة، وأن منافسيهم هم من الأزلام والفلول. كلنا يتذكر المرزوقي، بعد أن تم إرجاعه للسكة بفضل "شلابق" القصبة واحد، وهو يدعو التونسيين للتصويت للنهضة والتكتل والمؤتمر كأحزاب للثورة ضد أعدائها. هذه الخدعة إنطلت على الجميع، فنسوا أن من قام بالثورة هم أولا المعطلون عن العمل والمهمشون في المناطق الداخلية، مدعومين خاصة بالقوى النقابية في الإتحاد العام التونسي للشغل.
هذه الإنتخابات كانت درسا جعلنا نتعرف على الأشخاص المكونين للمشهد السياسي. وإن من حسن حظنا أنها تمت من أجل مدة قصيرة هي مدة المجلس الوطني التأسيسي. أما الإنتخابات القادمة، فستكون من أجل فترة أطول، وستمتلك فيها الأحزاب الحاكمة مفاتيح الحكم لتنفيذ برامجها بطريقة أكثر عمقا.
اليوم، هناك ثلاث جبهات سياسية رئيسية:
ـجبهة النهضة وأزلامها من السلفية ومن بقي في المؤتمر وبعض إنتهازيي التكتل.
ـالجبهة الديمقراطية : ممثلة خاصة بنداء تونس والحزب الجمهوري وأحزاب أخرى صغيرة.
ـالجبهة اليسارية : وفيها يساريون حقيقيون (وطد وحزب العمال) وقوميون تقدميون، وبعض القومجيين البعثيين.
إستراتيجيا فرق تسد
لن يمكن للجبهة النهضاوية  تحقيق الأغلبية الساحقة في الإنتخابات القادمة إلا إذا قامت الجبهتين المعارضتان بتحطيم بعضهما. هذه الحقيقة الواضحة كانت السبب الرئيسي لمحاولات النهضة المتجددة لإجتذاب نجيب الشابي والهمامي من أجل تشكيل "الجبهة الثورية" ضد "التجمعيين"، من أجل التغطية على الصراع الحقيقي الذي تعيشه تونس وكل الوطن العربي بين القوى الرجعية الدينية، ومجموع القوى الحداثية والتقدمية.
من بين المثقفين التونسيين، أعجبني جدا توفيق بن بريك وهو يتحدث عن هذه المسألة قائلا بأن من القواعد الأساسية لكل صراع، هو محاولة عزل الخصم، وجمع أكبر قوة ممكنة من أجل هزمه. هكذا تحالف الحلفاء في الحرب العالمية الثانية : إمبراطورية إستعمارية (بريطانيا)، جمهورية في أوج قوتها الصناعية (الولايات المتحدة) وإمبراطورية شيوعية ديكتاتورية (الإتحاد السوڤياتي) من أجل هزم الخطر الداهم الذي كان يهدد البشرية كاملة.

هل هناك خطر اليوم يفوق خطر الإنحطاط الناجم عن إنغلاق المجتمعات العربية؟ فليفق كل شخص عاقل ويفهم : إنها لحرب حقيقية بين العقل والنقل، بين الفكر ووالتحجر، بين الماضي والمستقبل. وكل شخص مازال يعتقد بإمكانية التوفيق هو يخسر وقته.
إنني أعتقد هذه المرة ضرورة إسقاط حركة النهضة وحلفائها في الإنتخابات القادمة مهما كان الثمن. فلنتخيل مشهد حكومة ثورية حقيقية يقودها ديمقراطيون ويساريون لتقوم بإصلاحات سريعة وحاسمة من أجل فرض النظام وإصلاح المجتمع والتعليم والإقتصاد.
ما يمنع مثل هذا السيناريو الرائع هو نرجسية البعض ورغبته في أن يكون الزعيم الملهم الوحيد. والنهضة تعرف ذلك وتلعب على هذا الوتر من أجل إدامة سيطرتها على المجتمع والدولة. ب37% تستطيع النهضة البقاء للأبد مادام أقرب منافسيها لا يتجاوز 15%.

dimanche 9 septembre 2012

لن نخدع مرة أخرى

كانت إنتخابات 23 أكتوبر 2012 واحدة من أعظم الأكاذيب على مر التاريخ حسب رأيي. بل إنها تصلح لتكون درسا في علوم السياسة للسذج ليفهموا ماهي السياسة على أرض الواقع.
لقد كان الجميع يعرف أن هناك إحتمالا كبيرا لوصول النهضة للحكم بفضل اللعب على الوتر الديني. ففي بلاد صحراء الثقافة والحضارة، فقط الدين والكرة يمكن أن يجيشا المشاعر والحشود، ويملآ المسارح والميادين.
كنا نعرف ذلك حتى إن بن عاشور قالها صراحة : لقد كنا متأكدين من وصول النهضة إلى المرتبة الأولى بين الأحزاب، وكنا نتوقع لها بين 30 إلى 40%.
أين الخدعة إذن؟
إنها في التحالفات، وفي الأوراق ما تحت الطاولة، وفي المكتوم عنه.
يخطىء البعض حين يعتقد  أن النهضة وصلت للحكم بالصدفة، أو رغما عن المجتمع الدولي. لقد كان وصول النهضة أمرا متوقعا جدا بل حتى مرغوبا فيه في الواقع. لن أتحدث عن الويكيلكس، ولا عن خلفيات رجال النهضة الكبار (وأغلبهم أثروا بطريقة غريبة ومشبوهة عند نفيهم في الخارج مما يثير التساؤل : كيف يمكن لمن هرب دون قرش واحد في جيبه ودون أي مستوى علمي حقيقي أن يعود وفي رصيده المليارات والشركات والعقارات في قلب باريس ولندن؟).
هل بإمكان حركة ما أن تستولي على الحكم  ب38% من الأصوات؟ طبعا كلا!
من أجل الوصول للحكم والبقاء فيه يجب إيجاد أغلبية شعبية تدعمها أغلبية النخبة (رؤوس الأموال، المثقفون، أساتذة الجامعات، الإعلام، القضاء، الجيش). لكن النهضة لا تمتلك شيئا من ذلك، فرصيدها الشعبي لا يفوق اليوم في أقصى الحالات الثلث. أما النخبة، ففيما عدى رؤوس الأموال (ورؤوس الأموال بطبيعتها دائما تكون مع الحكم سواء كان شيوعيا أو سلفيا)، فالنخبة اليوم ترفض النهضة وإن بمستويات متعددة.
من أجل التغلب على هذه المشكلة لجأ النهضويون إلى حلفاء لهم وأعطوهم بعض الفتات من أجل الإنفراد بكعكة الحكم. لقد أعطوا لقيادات أحزاب المؤتمر وبعض قيادات التكتل مثلا ضمانات بمناصب وأوهاما بمسؤوليات. فإرتبط مصيرهم اليوم بهم.
بهذه الطريقة، فوجئنا بأكبر مهزلة في تاريخ تونس الحديث : أغلب من إنتخبوا المؤتمر وخاصة التكتل، إنتخبوهما كمنافسين للنهضة ولإيجاد ثقل مضاد متشبع بثقافة حقوق الإنسان والحريات والتكافل إلإجتماعي، فإذا بهذين الحزبين يتحولان اليوم لكلبي حراسة للنهضة في أكبر عملية سرقة في تاريخ تونس!
كيف يمكن أن ننسى منصف المرزوقي وهو يحلف الأيمان المغلظة بأن حزبه سيدافع عن حقوق الإنسان بكل شراسة وأنه لن يقبل بأي تعد على الحريات الفردية، ليكتشف الجميع أحد مجانين حزبه في إفتتاح المجلس التأسيسي وهو يهاجم أحزاب المعارضة بوصفهم عملاء للخارج وحثالة الفرنكوفونية!!؟؟

لكن هذه المهزلة لن تتكرر.
يقول المثل : من كذب عليك مرة، سيكذب عليك ألف مرة.
ويقول مثل آخر : إن خدعتني مرة فذلك ذنبك، أما إن خدعتني مرة ثانية فذلك ذنبي أنا.
إن الخطيئة الأصلية التي أدت إلى هذه المهزلة هي فكرة إنشاء حكومة تجمع بين المتناقضين وتعتمد المحاصصة الحزبية. بينما لا يكاد المتحالفون يتفقون على شيئ.
لقد حان الأوان اليوم أن نتبين كل فرقة وحدها. فليكن لنا حزب محافظ مثلا يضم النهضة وحلفائها من السلفيين ومندسي حزب المؤتمر، ولينفض الآخرون يدهم من فكر التحالف وليسعوا لبناء البديل صاحب البرنامج الواضح الغير مهادن.
حان الأوان أن تمتاز كل فرقة بفكرها. فليدافع الإشتراكي عن فكره الإشتراكي، وليدافع المحافظ عن فكره المحافظ. وليكن الشعب الفيصل. أما خرافة الأحزاب المتلونة كالحرباء حسب الرياح والفايسبوك، فقد إنتهت صلوحيتها.