واحدة من أهم خصائص العقلية العربية في العادة هي العقلية التآمرية. فيكفي أن يقول أحد أن هناك مآمرة ما حتى يصدقه الآخرون فورا! وليس من ضرورة للأدلة إذ يكفي أن تلعب على أوتار الدين والقومية والعمالة... وهذا الإستعمال لكثرة حدوثه وصل إلى حد يلتحم فيه التراجيدي مع الكوميدي. فهكذا يصبح كل شخص يقوم بأي مبادرة أو تجديد شخصا "مشبوها" (فيتسائلون مثلا: لماذا قام بهذه المبادرة؟ هل يعقل أن وائل غنيم أعطى شرارة ثورة مصر لوحده؟ من وراء المطالبين بالحرية في سوريا؟ أهم الموساد أم واشنطن أو الكاجيبي؟...)
هذه العقلية التآمرية متأصلة في الأدبيات العربية لدرجة مذهلة، وهي عقلية مضادة بطبيعتها للتجديد والمبادرة. فليس من الغريب أن يولع بهذه الطريقة في التفكير أكثر الدوائر إنغلاقا ومحافظة في المجتمعات العربية : القوميون والإسلاميون.
في سوريا مثلا، أصبحت لفظة الحرية نفسها مشبوة ومرادفة للخيانة. هكذا يتم تقديم من ينزل إلى الشارع على أنه يخدم المخططات الإمبريالية والصهيونية والماسونية حتى!! فالمطالبة بالديمقراطية بالنسبة لحزب البعث هي "إضعاف للشعور القومي" و"مناصرة لأعداء الأمة" حسب الإيديولوجيات المنغلقة لحزب البعث القومي الفاشي السوري.
أما في مصر فالأمر أكثر كوميدية. فهاهو وائل غنيم وحركة 6 أبريل وغيرهم من الذين مهدوا وقاموا بالثورة يتحولون فجأة إلى مشبوهين متورطين في مؤامرات خارجية ضد الشعب المصري ("المغرر به" حسب مطرب الراب العنكبوتي أحمد سبايدر، "المخدوع" حسب وحش الشاشة "توفيق عكاشة"، "الذاهب إلى جهنم وبئس المصير" كما يتنبأ بذلك السلفيون والإخوانيون في صورة تحول مصر إلى ديمقراطية ليبرالية حديثة).
كم كان المشهد كوميديا عندما جاء رجب طيب أردوغان، إبن الأمة الأصيل وحامي حمى الدين، إلى مصر. تحول بطل الأمة الهمام وفارسها المقدام إلى شخص مشبوه يخدم أجندة خارجية مشبوهة عندما دافع عن النموذج العلماني التركي وإعتبرها حلا سينهي إنقسامات وصراعات العالم الإسلامي.
لماذا اللجوء إلى هذه العقلية التآمرية؟ لماذا لا يقبل السلفيون والقوميون بقواعد اللعبة فينافسون الليبراليين والسياريين بأفكارهم بدل هذه الأساليب المتخلفة العفنة؟ هناك تفسير واحد لذلك : أن بضاعتهم فاسدة لا تقنع ولاتشبع. فهم يمنعون الآخرين من فرصة المنافسة لذلك السبب.
ما مسؤولية الإنسان الواعي في هذه الحالة؟ أن يتحمل المسؤولية. لا يكفي أن يقول الحق ويصدع به، وإن كان في ذلك جسارة وشجاعة هائلة في بلاد الرمال الراكدة. يجب عليه أن يحلل هذه العقلية المتكلسة، ويعريها أمام العقول بأسلوب سهل منطقي وواضح حتى يسهل التحرر من قيودها. إن البيداغوجيا العلمية النزيهة هي الحل الوحيد لمقاومة ظلمات اللعب بالعقول والقلوب.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire