dimanche 30 octobre 2011

هل تكون هذه الإنتخابات نهاية صراع العقل والنقل؟

إبن رشد

كل شخص يدرس التاريخ العربي الإسلامي يعرف أن حضارتنا عاشت منذ أكثر من ألف سنة (أي قبل بداية ظهور الحضارة الأوروبية نفسها) صراعا بين النقل (أي الإسلام السياسي والإجتماعي والتقاليد المنبثقة عنه) وبين العقل بجميع تجلياته (أي العلوم والفلسفة وكذلك السياسة والواقع).هذا الصراع بدأ حسب  رأيي منذ الفتنة الكبرى حيث إنتصرت العقلانية والواقعية السياسية لمعاوية بن أبي سفيان على الطوباوية والشرعية الدينية لعلي بن أبي طالب. على أن هذا الإنتصار الجزئي الذي أسس لنظام فيه نسبة من العقلانية والإستقرار إنحصر في الميدان التنفيذي. إذ أن التشريع والقضاء بقيا في يد السلطة الدينية ممثلة في الفقهاء ورجال الدين.
وإستمر الصراع بعد ذلك في ميادين المعرفة لتظهر فرق فكرية كثيرة بعضها عقلي إلى درجة الإلحاد، وبعضها نقلي إلى درجة التزمت والإنغلاق وبعضها توفيقي.
هذا الصراع كان يمكن أن ينتهي بثورة فكرية ومعرفية وحتى صناعية على طراز ما وقع في أوروبا في نهاية العصر الوسيط. لكن للأسف لم تكن النهاية كذلك لأن أحداثا تاريخية وقعت بين القرنين 12 و15 أدتا إلى هزيمة العقل الكاملة وبالتالي مرور هذه المجتمعات إلى الإنحطاط.
في أوروبا عرفت المجتمعات نفس الصراع بين العقل والكنيسة ولحسن حظهم، توافرت هم ظروف مغايرة أدت إلى عدم طغيان الكنيسة على المجتمع. لقد كان بإمكان عديد المفكرين الهاربين من الإضطهاد الديني اللجوء الى ملاجئ مثل أمستردام مثلا حيث يتمتعون بحماية ملوك ونبلاء أقوياء. وكانوا هكذا نواة النهضة الحضارية التي أشعت من بعد.
لم تصل الحضارة الأوروبية إلى قمة تألقها إلا عندما وصلت إلى صيغة تعطي للدين بعده الديني وتخرجه عن الدنيوي. هذه الصيغة ظهرت بطرق متعددة : ظهور البروتستانتية (وهي مذهب مسيحي لا يعترف بكنيسة وبذلك يكاد يكون علمانيا في تكوينه!)، سقوط نفوذ البابوات الدنيوي بعد هزائمهم العسكرية أمام ملوك فرنسا خاصة.
في بلداننا العربية الإسلامية تواصل الصراع إلى اليوم. ولعل الأحزاب القومية التي إستولت على الحكم قد حاولت إيجاد صيغة توفق بين التجاذبين مستغلة أدوات الدولة من أجل تحييد الطرف النقلي (عن  طريق منع جماعات الإسلام السياسي وتدجين الفكر الديني) والعقلي (عن طريق منع الجماعات اليسارية وتدجين الفكر السياسي) من أجل توحيد المجتمع في مشروع وطني. أدت هذه السياسة القصيرة النظر إلى إنعدام أي فكر وتبوتق المجتمع في نظام الحزب الواحد الفاشل.
الآن في تونس نشهد تطورا مهما جدا : ليس كل يوم سنرى حزبا إسلاميا يقر بالتعددية والتداول على السلطة. هذا التطور التاريخي (أن يعتقد الإسلاميون أنهم لا يمتلكون كل الحقيقة) قد يكون مفتاح إنهاء الصراع بين العقل والنقل وإخراج الحضارة العربية الإسلامية من ثنائية الإستبداد العسكري/ الإستبداد الديني إلى صراع فكري راق بين فكر محافظ وفكر تقدمي.
إن ما نشهده اليوم في تونس قد يكون مبشرا للمرور إلى هذا الإنجاز التاريخي الذي سيمكن الحضارة العربية الإسلامية من تجاوز التعصب (أكبر الأمراض التي أصابت الأمة).
ليس مهما بالنسبة لي شخصيا إن كانت النهضة ستقر بتعدد الزوجات أو ستراجع الميراث أو غير ذلك. هذه المسائل هي بالنسبة لي هامشية جدا أمام التطور الحقيقي لهذه الحركة الإسلامية: إقرارها بإرادة الشعب كمصدر للتشريع القانوني والسيادة وليس نخبة من الفقهاء.
إذا ترسخت هذه التجربة الديمقراطية في تونس فإنها ستشع بالتأكيد على جيرانها وستجعل عديد الحركات الإسلامية المتمسكة بنظريات الحاكمية لله تعيد حساباتها، بما يؤدي إلى خروج الحضارة العربية الإسلامية من دوامة الإستبداد الديني والعسكري وإعطائها أخيرا صيغة حكم مدنية ديمقراطية متصالحة مع هويتها.

Aucun commentaire: