jeudi 14 juillet 2011

ـ2- تجربة التدين في إطارها الإجتماعي

إن الفصل الذي قمت به بين التجربة الفردية والتجربة الإجتماعية هو فصل غير واقعي. إذ يمكن تصور التجربة الكفردية المصدر الأساسي للتجربة الدينية، والتجربة الإجتماعية كالحاضن الذي يوصلها إلى نضجها وقوتها وتأثيرها على الواقع.
إن نشأة دين جديد هو دائما لحظة عجيبة، تختلط فيها السياسة، إرادة البقاء، إرادة الخلود، اللاوعي الجماعي والتقاليد، لتنتج إبداعا فنيا يصف نفسه بالكماك، ويحمل مجتمعا على إعادة التنظم حسب مبادئه.
إن من الصعب علينا اليوم أن نتخيل عصر الأنبياء والمعجزات وأن نعيش تجربة تماثل نشأة الديانات ومايرافقها من شعور بالقوة، بالسيطرة، بالحلم، وكذلك بالقهر والتجبر.
يمكن لنا رغم ذلك دور الدين بعد نضجه وتفاعله مع الدولة والمجتمع. سأسجل هنا بعض الملاحظات عن هذا الموضوع المتشعب والكبير.
إذا إقتصرنا على الديانات الكبرى، يمكن لنا التمييز بين الديانات التوحيدية وأغلبها نابع عن اليهودية والديانات الوثنية. بالنسبة لي، فإن الديانات الوثنية هي في أغلبها ديانات رمزية وبعضها يحمل صبغة فنية وفلسفية. حتى ولو كانت هذه الديانات تعطي للعامة والخاصة ذلك النوع من الأفيون الذي ينقص من قسوة الحياة وغموض الطبيعة. لقد كانت رمزية الآلهة الوثنية وإنسانيتها العميقة محفزا هائلا للفن والشعور ولإرادة القوة سواء في الحالة اليونانية، الرومانية أو حتى العربية في العهد الوثني.
بينما كانت الديانات الوثنية في أغلبها حاملة للتمييز الطبقي والمبادئ الأرستقراطية، أتت الديانات التوحيدية حاملة لمشروع يمكن وصفه بالشعبي (خاصة في الحالة المسيحية). لقد إنحازت الديانة المسيحية (والإسلام من بعد ذلك) إلى الطبقات الضعيفة والفقيرة من المجتمع وأعطتهم إله غير أرستقراطي ولا يؤمن بقيم الأرستقراطية. تمكنت الديانة المسيحية من القضاء على آلهة روما التاريخية التي رافقت نشأتها وإلتصقت بقادتها وأباطرتها، وأعطت للشعوب التي أخضعها السيف الروماني إنتصارا تاريخيا على الطبقة النبيلة الضيقة التي حكمت روما لمدة تقارب الألف سنة.
هكذا كان إنتصار الديانات التوحيدية إيذانا لتحول هائل في القيم والأخلاق السائدة. لقد كانت الديانات الوثنية اليونانية والرومانية ديانات نخبوية تمجد الجمال المطلق والقوة والشجاعة والسيطرة، وكانت بذلك ديانات أرستقراطية بإمتياز فأنجبت مجتمعا قدس الأبطال وجعلهم مثلا يبرر الإستعباد والظلم والقوة. لكن إنحسارها أمام الديانات الشعبية كان إيذانا بقيم جديدة هي قيم المساواة والرحمة والغفران والإشفاق (خاصة في المسيحية، ولكن أيضا في الإسلام) وكراهية الحرب والصراع.

Aucun commentaire: